تأمَّلَني طويلاً .. ثُمَّ قالا :
شحوبٌ .. وارتجافُ يدٍ .. وخطْوٌ
دَواؤكَ في العراق .. فإن تعافى
ولستَ بذي خيولٍ ضامراتٍ
فيا ابن الغربتين ..أطِلْ دُعاءً
ويا ابن الغربتين .. لكلِّ طاغٍ
ويا ابن الغربتين وكلُ عاتٍ
فيا ابن الغربتين .. أمنْ فراقٍ
كأنك قد خُلِقتَ إلى شراعٍ
تبلدْ يا عليلُ .. فرُبَّ عقلٍ
فلا تأمل من القاصي نصيراً
مضى زمنُ الشهامةِ واستكانتْ
تأمركتِ ( العراقةُ ) في نفوسٍ
تُباركُ للصليبيين رأياً
تَبَدَّلَتِ النفوسُ وَعَفَّرَتْها
وَلُوِّنَتِ الوجوهُ فلستَ تدري
تَعَوْلَمَتِ الضلالةُ في زمانٍ
لُعنتَ ( أبا رغالٍ ) .. كم حفيدٍ
لُعِنتَ .. أبا رغالٍ .. بئسَ جاهاً
فَتباً للدليلِ يقودُ زحفاً
وتباً للقوي يشنُّ حرباً
يمدُّ لقاتلٍ سيفاً ودرعاً
عجبتُ على الخِيانةِ أن تُسمى
وَتَبّاً للمهيبِ أبى انتصاحاً
ولم يرفع عن الأعناق سيفاً
تكاملتِ النقائصُ فيه حتى
ويا ابن الغربتين سَلِ الرمالا
فما بَرِحَ العراقُ ثرىً ولوداً
فما خذلتْ مفاوزُها .. ( المثنى )
ليالينا عقيماتُ .. ولكن
فلا تقنط .. عسى الأرحامُ يوماً
ويولدُ لــ ( الرشيدِ ) فتىً حفيدٌ
يقودُ على الظلامِ جيوشَ نورٍ
ويُطْبِقُ مقلتيهِ على جنوبٍ
ويُرسي للمها ( جسراً ) و ( سرجاً )
أُظنُكّ تشتكي داءً عُضالا !
لِفرطِ هشاشةٍ إن سار مالا
رَفَلتَ مَسَرَّةً وحَسُنتَ حالا
تَردُّ بها عن الوطن الوبالا
بِنيةِ مُستغيثٍ .. وابتهالا
قباحتُهُ فينتقصُ الجمالا
يُطالُ وإن تحصنَّ واستمالا
جزِعتَ وأنتَ لم تعرفْ وصالا ؟
وريحٍ .. واحترفتَ الارتحالا
يزيدُ لدى العليل الاعتلالا
إذا الداني يريدُ لك الزوالا
ضوامرُهُ فأدْمَنتِ الظَّلالا
ترى أن الصليب غدا هلالا
وتشحذُ للمغيرين النِصالا
مطامعُها فغيرت الخِصالا
أ ( معتصماً ) تحدثُ ؟ أمْ ( رغالا )
يسيرُ به الأبالسةُ احْتيالا
تركتَ بنا يُماهيك ابتذالا !
كسبتَ .. وبئس منزلةً ومالا
على أهليهِ غيّاً أو حلالا
على وطنِ الأرامل والثكالى
وللمقتول تابوتاً وَشالا
- وقد فاحت عفونتها - نضالا !
فلم يسمع لذي لُبٍّ مقالا
وأغلالاً .. ولا أرخى حِبالا
غدا لكمالِ نقصانٍ مثالا !
عن الغضبِ المقدسِ .. والجبالا
وإن عَقُمَ الزمانُ أو استحالا
ولا نسيتْ مآذنُها ( بلالا )
ستقفوها صباحاتُ حَبالى
ستنجبُ للمُلِماتِ الرجالا
يُعيدُ فراتَنا عَذْباً زُلالا
ويملأ صحننا زاداً حَلالا
ويُغفي تحت أضلُعِهِ الشمالا
به يجتاحُ ( رِجساً ) واحتلالا